الأحد، 29 مايو 2016

الشاعر المتصوف : سامي أبو عون … فرادة الحالة ، وتفرّد اللّغة / جبر شعث*

مقال الاستاذ الكاتب والناقد المبدع الساكن فى صمته جبر شعت

سيكون مدخلي للكتابة عن الشاعر المتصوف سامي أبو عون ، الحديث عن شاعر وفيلسوف الصداقة عند القرامطة وهو ” الخبز رزي ”

 الذي صدرت معظم أشعاره عن معرفية حسية ،وتجربة جسدية ، وتأملية حد الغوص العميق في الوجود بوجهيه الميتافيزيقي والفيزيقي  ، والذات والإنسان ، وليس عن منظومة معرفيةثقافية سائدة مألوفة . وحال شاعرنا “أبي عون ” تتشابه وتتقاطع مع حال ” الشاعر القرمطي ” الخبز رزي ” فكلاهما لا يعول كثيراً على القراءة من منابعها المصدرية والمرجعية ، ويستعيض عن ذلك بالشفاهي وبالتأملي في النفس وفي الكون . ولكن ” أبا عون ” يزيد عن شاعر القرامطة ؛في أنه ،أحياناً يقرأ ما تيسر له من كتب قديمة وحديثة ، كونه يعرف القراءة والكتابة ، وليس أمياً “كالخبزرزي”كما أخبرتنا المصادر عنه . فالشاعر أبو عون يعيش الحالة الصوفية ولا يتقمصها ، يسلكها سبيلاً ؛ممارسة ولغة،ولا يتمحك بجدرانها ، أو يتقحم لغتها . إنه حالة صوفية لها السبق ، بل الفرادة في المشهد الشعري الفلسطيني الراهن .
من سقيفته المتقشفة شكلاً ، العامرة حديثاً وصحبة وندامى ، تنبلج قصائده ، وتتسرسب مفرداته الصوفية الخاصة به ، مثقلة بالرؤيا ، ومتغربة مدهشة بالصور ، وخفيفة مزركشة كالفراشات في نيسان ، بالدلالات  والاشارات والإحالات ؛ لذا نرى عنده للغة قبعة لا يلبسها إلا الراسخون في الحب والعشقوالتجليات ، ونرى قمره ” الاستثنائي ” الذي لا يشبه القمر الليلي الذي نعرف ،وهو يُحمِّر سعف النخيل ، ونكاد نلمس رغبته التي تتقلب بين الحسي والغيبي ،ونتلمس زغب سبيله الصوفي ، ونمشي معه في فراغه اليتيم . ومن قصائده نسمع غناءه وهو في حالة الزهد ، وصهيله وهو يمسح بآلام الزيت جسده .
نكاد نشفق عليه ؛ إذ يرتعش ويتخذ من البرد عصاً يتوكأ عليها ، ولكننا نغبطه إذ نراه بمكر العارف الغائص المستنكر وهو يُعري الوقتَ ، من أزباده العالقة ، وقته هو الشاعر المتصوف الذي لا يطيق لها مكثاً ، ولا يستطيع معها / عليها صبراً . في كل نص من نصوصه التي يتلذذ بخربشتها على ورق أبيض تجيء لغته مشرقة متفردة ، كحاله هو حين يأتينا بها مشرقاً متشوقاً لرأينا ولإضافاتنا ولإضاءاتنا ولساديتنا المبررة فنياً حين نحذف كلمة أو نحل أخرى محلها ، أو نحذف جلَّ النص ، مبقين منه بضعة أسطر ، أو بضع كلمات .
ولعل صوفية شاعرنا تفارق الصوفية التقليدية ؛ التي ذوّبت الملح الأرضي ، في الماء السماوي ، متقصدة ذلك عن عقيدة، بدت كمذهب مغاير للسائد في اللغة وكيفية التعبير بها ، ومخلخل للإيمان الذي توطد عليه الناس وتشربوا تعاليمه، وبدا هذا المذهب كأنه توطئة لدين جديد ، يعيد صياغة العلاقة الفردية بين الله والعباد ؛ما ترتب عليه خلق لغة تعبير جديدة بجماليات  واجتراحات دلالية وإشارية ، ونحوت لفظية غير مألوفة وغير مسبوقة كذلك ، وقد كانت قولة الحلاج ” الحلولية “الشهيرة” ما في الجبة إلا الله ” أو ” ما في الجبة إلاي” ومواقف عبد الجبار النفري ، بمثابة الحصوات المضيئة الهادية إلى طريق هذا المذهب الثوري المخلخل الجديد ولنعد إلى مفارقة شاعرنا ، بعد هذا الاستطراد الذي فرضه السياق ؛ التي تجلت لديه شعراً وممارسة حياتية ، في أنه يسعى إلى أرضنة السماوي التي سبحت في ” هيوله ” الصوفية التقليدية ، وهو ما فتيء ، بأناة وتؤدة وتجلٍ وتلذذ يسعى إلى فصل ملح الأرض عن ماء السماء .

*لسامي أبو عون، مجموعة شعرية بعنوان ” وقت تعرى ” صدرت عام 2007 ، وله مجموعة أخرى بعنوان ” مشرقاً أجيء ” مخطوطة في طريقها للنشر.

منقول عن .
http://massareb.com/?p=6414

0 التعليقات:

إرسال تعليق